قانون جديد وسط مخاوف حقوقية.. هل يتحول الأمن إلى ذريعة لانتهاك حقوق المهاجرين في المانيا؟

قانون جديد وسط مخاوف حقوقية.. هل يتحول الأمن إلى ذريعة لانتهاك حقوق المهاجرين في المانيا؟
البرلمان الألماني

في ظل التحولات المتزايدة نحو تشديد سياسات الهجرة، أقر البرلمان الألماني يوم الجمعة الماضي مشروع قانون جديد يهدف إلى تقليص تدفق المهاجرين واللاجئين وتسريع عمليات الترحيل، بعد سلسلة من الحوادث الأمنية التي ارتبط بعضها بمهاجرين. يثير هذا القانون جدلًا واسعًا بين مؤيديه الذين يرونه ضروريًا لضمان الأمن، ومعارضيه الذين يحذرون من انتهاكاته المحتملة لحقوق الإنسان.

إجراءات مشددة لترحيل المهاجرين

يتضمن القانون الجديد تسريع عمليات ترحيل المهاجرين الذين رُفضت طلباتهم أو تورطوا في جرائم، مع تمديد فترة الاحتجاز قبل الترحيل إلى 28 يومًا، ما يمنح السلطات مزيدًا من الوقت لتنفيذ الترحيل. وتشير البيانات إلى زيادة ملحوظة في عمليات الترحيل خلال عام 2023، وسط توقعات بارتفاعها مستقبلًا. كما يُوسع القانون صلاحيات الشرطة في تنفيذ هذه الإجراءات.

تأثيرات على حيازة الأسلحة

ردًا على الهجمات بالسكاكين، يتضمن القانون الجديد تشديد القيود على حيازة الأسلحة البيضاء في الأماكن العامة، وخاصة في الفعاليات والمناسبات الكبرى. جاء هذا كاستجابة للضغوط الشعبية وسط تزايد الاعتداءات، وهو ما أثار نقاشات حول مدى فعالية هذه الإجراءات في الحد من تلك الجرائم.

تزايد نفوذ اليمين المتطرف

لا يمكن فصل هذا القانون عن تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، حيث يحقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" تقدمًا في الانتخابات المحلية وسط دعم شعبي لتشديد سياسات الهجرة. وتظهر استطلاعات الرأي أن الرأي العام في ألمانيا يتجه بشكل متزايد نحو دعم سياسات أكثر صرامة تجاه المهاجرين.

المخاوف الحقوقية والاجتماعية

على الجانب الآخر، تعرب منظمات حقوق الإنسان عن مخاوفها من أن يؤدي هذا القانون إلى انتهاكات خطيرة، خاصة في ما يتعلق بترحيل الأفراد إلى مناطق تشهد نزاعات. وتُحذر هذه المنظمات من التأثيرات السلبية على المجتمعات المهاجرة، معتبرة أن هذه السياسات قد تزيد من الشعور بالعزلة والتمييز وتفاقم الأوضاع الاجتماعية في البلاد.

بين الأمن وحقوق الإنسان

بينما تدافع الحكومة الألمانية عن هذه الإجراءات كضرورة للحفاظ على الأمن، يتساءل العديد من المراقبين عن مدى توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في 2025، يُتوقع أن تبقى قضية الهجرة في صدارة النقاشات السياسية، ما سيضع الحكومة أمام تحديات كبيرة لتحقيق توازن بين الأمن والالتزامات الإنسانية.

انتهاك لحقوق الإنسان 

وقالت الحقوقية البارزة مها برجس، إن مشروع القانون الذي أقره البرلمان الألماني مؤخرًا والمتعلق بترحيل المهاجرين وإجراءات تشديد الهجرة يثير مخاوف حقوقية جدية، وهناك العديد من القضايا التي تتطلب التحليل والنقد، ورغم أن هذه القوانين تأتي في سياق أمني وسياسي داخلي، فإن آثارها قد تكون كارثية على حقوق الإنسان، خصوصًا في ما يتعلق بالمهاجرين وطالبي اللجوء.

وتابعت في تصريحاتها لـ"جسور بوست"، تعزيز وتسريع عمليات الترحيل، حتى للأشخاص الذين تم رفض طلبات لجوئهم، يمثل انتهاكًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر ترحيل الأفراد إلى دول قد يتعرضون فيها للتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية، المنظمات الحقوقية، مثل "برو آزول"، حذرت مرارًا وتكرارًا من أن ترحيل أشخاص إلى مناطق نزاع أو دول غير آمنة قد يعرض حياتهم للخطر، وهذا ما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين.

واسترسلت، تمديد فترة الاحتجاز قبل الترحيل إلى 28 يومًا يمثل قلقًا إضافيًا، فالاحتجاز المطول دون محاكمة أو مراجعة قضائية يعد من مظاهر التعدي على الحقوق الأساسية للأفراد، خاصة إذا كان لأسباب إدارية بحتة، وفقًا للقانون الأوروبي، ويجب أن يكون الاحتجاز هو "الملاذ الأخير" وأن يتم لفترات زمنية قصيرة مع ضمان المراجعة القانونية المستمرة. بهذا الصدد، يمكن القول إن توسيع صلاحيات الاحتجاز يمثل انتهاكًا لحقوق الأفراد في الحرية والأمان الشخصي، كما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 9.

وأشارت إلى أنه يتم تفسير مشروع القانون على أنه محاولة لاسترضاء القوى اليمينية المتطرفة التي تنمو شعبيتها بشكل مقلق في ألمانيا، وهذا التوجه يعكس تحيزًا خطيرًا قد يؤدي إلى تمييز عنصري ضد المهاجرين، خاصة من خلفيات إسلامية أو عربية، وقد تدفع سياسة تشديد الهجرة لزيادة العداء المجتمعي ضد هذه الفئات، ما يزيد من الانقسام ويؤدي إلى مزيد من العنف والتمييز ضد الأقليات، وهذا يتعارض مع التزامات ألمانيا بموجب الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية.

وأوضحت أن هناك أيضًا تأثيرا سلبيا على المجتمعات المهاجرة نفسها، فبدلًا من تعزيز سياسات الإدماج، تساهم هذه القوانين في عزل المهاجرين، ما يقلل من فرص اندماجهم في المجتمع، تشير الدراسات إلى أن سياسات الإقصاء تؤدي إلى تفاقم الشعور بالعزلة واليأس بين المهاجرين، ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية وزيادة المخاطر الأمنية بدلًا من حلها.

وأتمت، من الواضح أن هذه السياسات تتناقض مع القيم الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات المدنية، يتطلب أي نهج للتعامل مع الهجرة الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك ضمان المعاملة الإنسانية واحترام كرامة المهاجرين واللاجئين.

خطوة نحو التمييز وانتهاك المواثيق الدولية

وقال خبير القانون الدولي، كمال يونس، إن مشروع القانون الذي صادق عليه البرلمان الألماني، والذي يتضمن تشديد سياسات الهجرة في ضوء تصاعد تأثير اليمين المتطرف، يثير تساؤلات قانونية عميقة بشأن التزام ألمانيا بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصًا تلك التي تحمي حقوق اللاجئين والمهاجرين، ويجب أولاً النظر في مدى توافق هذا التشريع مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، التي تلزم الدول بحماية اللاجئين ومنع إعادتهم إلى دول قد تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للخطر.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل في هذا القانون هي إلغاء المساعدات لطالبي اللجوء الذين دخلوا ألمانيا عبر دول أخرى من الاتحاد الأوروبي، فهذا البند قد يكون مخالفًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية جنيف، والذي يحظر ترحيل اللاجئين إلى دول قد يواجهون فيها الاضطهاد، فعلى الرغم من أن ألمانيا جزء من الاتحاد الأوروبي، وهذا قد يعني أن اللاجئين يمرون عبر دول تعتبر "آمنة"، فإن تطبيق هذا البند بشكل صارم قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بأولئك الذين قد لا يجدون حماية حقيقية في الدول التي عبروا منها.

وأضاف، كما أن تسهيل طرد اللاجئين الذين يُستخدمون في الجرائم مثل الهجمات بالسكاكين يمثل تحديًا قانونيًا آخر. وصحيح أن الدول لديها الحق في حماية أمنها القومي وسلامة مواطنيها، ولكن هذا لا يعفيها من التزاماتها الإنسانية، وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا يجوز ترحيل الأفراد إلى دول قد يواجهون فيها التعذيب أو سوء المعاملة، حتى لو ارتكبوا جرائم في الدولة المضيفة، كما أن هذا الإجراء قد يُستخدم بشكل تعسفي ضد المهاجرين، ما يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة للحقوق الأساسية مثل الحق في محاكمة عادلة وعدم العقاب الجماعي.

واسترسل، من ناحية أخرى، يتضمن القانون أيضًا بنودًا تمنح قوات الأمن صلاحيات إضافية، والتي قد تشمل مراقبة أوسع للمهاجرين وطالبي اللجوء هذا الإجراء يثير مخاوف تتعلق بالحق في الخصوصية، المنصوص عليه في العديد من الاتفاقيات الأوروبية والدولية مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تبرير هذه الإجراءات بالاستناد إلى تهديدات أمنية قد يكون ذريعة لفرض رقابة واسعة تنتهك الخصوصية الشخصية وتؤدي إلى التمييز ضد فئات معينة، خاصة من أصول مهاجرة أو مسلمة، أما بخصوص المواثيق الأوروبية، فإن ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، ينص على ضرورة احترام كرامة الإنسان وحقوقه، بما في ذلك الحق في اللجوء والحق في عدم التمييز من هنا، فإن مشروع القانون الألماني قد يصطدم مع مبادئ الميثاق إذا تم تنفيذه بطرق تؤدي إلى التمييز الممنهج أو تقويض حق اللجوء.

وأتم، يشكل هذا القانون خطوة خطيرة قد تهدد التزامات ألمانيا الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان وإذا تم تنفيذه بشكل يتجاهل الاعتبارات القانونية الدولية، فقد يؤدي إلى انتهاكات جسيمة، خاصة في ما يتعلق بحقوق اللاجئين والمهاجرين، يجب أن تكون السياسات الأمنية متوازنة مع الالتزامات الإنسانية، وألا تتحول إلى أدوات للتضييق على الفئات الضعيفة، ما قد يؤدي إلى تقويض سيادة القانون والعدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية